فصل: تفسير الآيات رقم (39- 46)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏39- 46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ الَّذِينَ لَهُمْ هَذِهِ الْكَرَامَةُ الَّتِي وَصَفَ صِفَتَهَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ ثُلَّتَانِ، وَهِيَ جَمَاعَتَانِ وَأُمَّتَانِ وَفِرْقَتَانِ‏:‏ ‏{‏ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ‏}‏، يَعْنِي جَمَاعَةً مِنَ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ ‏{‏وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بِهِ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ ‏{‏ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ‏}‏ مِنَ الْأُمَمِ ‏{‏وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ‏}‏‏:‏ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أُمَّةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ ثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ عَنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏«تَحَدَّثْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى أُكْرِينَا فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى أَهْلِينَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غَدَوْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ اللَّيْلَةَ بِأَتْبَاعِهَا مِنْ أُمَمِهَا، فَكَانَ النَّبِيُّ يَجِيءُ مَعَهُ الثُّلَّةُ مِنْ أُمَّتِهِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الْعِصَابَةُ مِنَ أُمَّتِهِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ النَّفَرُ مِنْ أُمَّتِهِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِهِ، وَالنَّبِيُّ مَا مَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ، حَتَّى أَتَى عَلَيَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي كَبْكَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبُونِي، فَقُلْتُ أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقُلْتُ رَبِّ، فَأَيْنَ أُمَّتِي‏؟‏ فَقِيلَ‏:‏ انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ، فَإِذَا ظِرَابُ مَكَّةَ قَدْ سُدَّتْ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ فَقُلْتُ‏:‏ مَنْ هَؤُلَاءِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، فَقِيلَ‏:‏ أَرَضِيتَ‏؟‏ فَقُلْتُ‏:‏ رَبِّ رَضِيتُ رَبِّ رَضِيتُ قِيلَ‏:‏ انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ، فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، فَقُلْتُ‏:‏ رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، فَقِيلَ‏:‏ أَرَضِيتَ‏؟‏ فَقُلْتُ رَضِيتُ، رَبِّ رَضِيتُ فَقِيلَ إِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ قَالَ‏:‏ فَأَنْشَأَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، فَقَالَ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَنْشَأَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ‏:‏ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فِدًى لَكُمْ أَبِي وَأُمِّي إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ السَّبْعِينَ فَكُونُوا، فَإِنْ عَجَزْتُمْ وَقَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الظِّرَابِ، فَإِنْ عَجَزْتُمْ وَقَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأُفُقِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ ثَمَّ أُنَاسًا يَتَهَرَّشُونَ كَثِيرًا، أَوْ قَالَ يَتَهَوَّشُونَ قَالَ‏:‏ فَتَرَاجَعَ الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ قَالَ فَتَرَاجَعْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ، فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِمْ أَنْ قَالُوا‏:‏ نَرَاهُمْ نَاسًا وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَزَالُوا يَعْمَلُونَ بِهِ حَتَّى مَاتُوا عَلَيْهِ، فَنَمَى حَدِيثُهُمْ ذَاكَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ لَيْسَ كَذَاكَ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينِ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبَّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- ذُكِرَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ‏:‏ ‏"‏ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَنْ تَبِعَنِي مِنْ أُمَّتِي رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ‏:‏ إِنِّي‌‌‌ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا الشَّطْرَ، فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ الْبَجَلِيُّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ‏:‏ «تَحَدَّثْنَا لَيْلَةً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَكْرَيْنَا أَوْ أَكْثَرَنَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَإِذَا الظِّرَابُ ظِرَابُ مَكَّةَ مَسْدُودَةٌ بَوُجُوهِ الرِّجَالِ وَقَالَ أَيْضًا‏:‏ فَإِنِّي رَأَيْتُ عِنْدَهُ أُنَاسًا يَتَهَاوَشُونَ كَثِيرًا قَالَ‏:‏ فَقُلْنَا‏:‏ مَنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعُونَ أَلْفًا فَاتَّفَقَ رَأْيُنَا عَلَى أَنَّهُمْ قَوْمٌ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ وَيَمُوتُونَ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ لَا وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَكْتَوُونَ وَقَالَ أَيْضًا‏:‏ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلْثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَرَأَ ‏{‏ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ‏}‏ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ‏:‏ كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ، قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بَيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ‏}‏ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ صَفًّا مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ‏.‏

وَفِي رَفْعِ ‏(‏ثُلَّةٌ‏)‏ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا الِاسْتِئْنَافُ، وَالْآخَرُ بِقَوْلِهِ‏:‏ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّتَانِ، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ مِنْ وَجْهٍ عَنْهُ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ «الثُّلَّتَانِ جَمِيعًا مِنْ أُمَّتِي ‏"‏»‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ هُمَا جَمِيعًا مِنْ أُمَّتِي ‏"‏»‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعْجِبًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ ‏{‏وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ‏}‏ الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ مِنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ إِلَى النَّارِ ‏{‏مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ‏}‏ مَاذَا لَهُمْ، وَمَاذَا أُعِدَّ لَهُمْ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ‏}‏‏:‏ أَيْ مَاذَا لَهُمْ، وَمَاذَا أُعِدَّ لَهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ هُمْ فِي سَمُومِ جَهَنَّمَ وَحَمِيمِهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَظِلٍّ مِنْ دُخَانٍ شَدِيدِ السَّوَادِ‏.‏ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَصَفَتْهُ بِشِدَّةِ السَّوَادِ‏:‏ أَسْوَدُ يَحْمُومٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ ظِلُّ الدُّخَانِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ لَيْثٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الشَّيْبَانِيَّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الدُّخَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الدُّخَانُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ دُخَانٍ حَمِيمٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الدُّخَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَثَّامٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ دُخَانٌ حَمِيمٌ‏.‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الدُّخَانُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ دُخَانٍ حَمِيمٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ قَالَا دُخَانٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ دُخَانٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهَا ظِلُّ الدُّخَانِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ ظِلُّ الدُّخَانِ دُخَانِ جَهَنَّمَ، زَعَمَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ الظِّلُّ بِبَارِدٍ، كَبَرْدِ ظِلَالِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ، وَلَكِنَّهُ حَارٌّ؛ لِأَنَّهُ دُخَانٌ مِنْ سَعِيرِ جَهَنَّمَ، وَلَيْسَ بِكَرِيمٍ لِأَنَّهُ مُؤْلِمُ مَنِ اسْتَظَلَّ بِهِ، وَالْعَرَبُ تُتْبِعُ كُلَّ مَنْفِيٍّ عَنْهُ صِفَةُ حَمْدٍ نَفْيَ الْكَرَمِ عَنْهُ، فَتَقُولُ‏:‏ مَا هَذَا الطَّعَامُ بِطَيِّبٍ وَلَا كَرِيمٍ، وَمَا هَذَا اللَّحْمُ بِسَمِينٍ وَلَا كَرِيمٍ وَمَا هَذِهِ الدَّارُ بِنَظِيفَةٍ وَلَا كَرِيمَةٍ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا النَّضْرُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنْ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ كُلُّ شَرَابٍ لَيْسَ بِعَذْبٍ فَلَيْسَ بِكَرِيمٍ‏.‏

وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا بَارِدِ الْمَنْزِلِ، وَلَا كَرِيمِ الْمَنْظَرِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشِّمَالِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَا أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُتْرَفِينَ، يَعْنِي مُنَعَّمِينَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مُنَعَّمِينَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَكَانُوا يُقِيمُونَ عَلَى الذَّنْبِ الْعَظِيمِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ يُصِرُّونَ‏:‏ يُدْمِنُونَ

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ يُدْهِنُونَ، أَوْ يُدْمِنُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَانُوا يُصِرُّونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا يَتُوبُونَ وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ، وَالْإِصْرَارُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى الذَّنْبِ‏:‏ الْإِقَامَةُ عَلَيْهِ، وَتَرْكُ الْإِقْلَاعِ عَنْهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ عَلَى الذَّنْبِ الْعَظِيمِ، وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَلَى الذَّنْبِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الشِّرْكُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ الشِّرْكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الذَّنْبُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ‏{‏وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْحِنْثُ الْعَظِيمُ‏:‏ الذَّنْبُ الْعَظِيمُ، قَالَ‏:‏ وَذَلِكَ الذَّنْبُ الْعَظِيمُ الشِّرْكُ لَا يَتُوبُونَ وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}‏ وَهُوَ الشِّرْكُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الذَّنْبُ الْعَظِيمُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏47- 50‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَانُوا يَقُولُونَ كُفْرًا مِنْهُمْ بِالْبَعْثِ، وَإِنْكَارًا لِإِحْيَاءِ اللَّهِ خَلْقَهُ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِمْ‏:‏ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا فِي قُبُورِنَا مِنْ بَعْدِ مَمَاتِنَا، وَعِظَامًا نَخِرَةً، أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ مِنْهَا أَحْيَاءً كَمَا كُنَّا قَبْلَ الْمَمَاتِ، أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَنَا، وَهُمُ الْأَوَّلُونَ، يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ إِنَّ الْأَوَّلِينَ مِنْ آبَائِكُمْ وَالْآخَرِينَ مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْرِكُمْ، لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏51- 53‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَصْحَابِ الشِّمَالِ‏:‏ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى، الْمُكَذِّبُونَ بِوَعِيدِ اللَّهِ وَوَعْدِهِ، لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَمَالِئُونَ مِنَ الشَّجَرِ الزَّقُّومِ بُطُونَهُمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَأْنِيثِ الشَّجَرِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ‏}‏‏:‏ أَيْ مِنَ الشَّجَرِ، ‏{‏فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ‏}‏ لِأَنَّ الشَّجَرَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، وَأَنَّثَ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الشَّجَرَةِ لِأَنَّ الشَّجَرَةَ قَدْ تَدُلُّ عَلَى الْجَمِيعِ، فَتَقُولُ الْعَرَبُ‏:‏ نَبَتَتْ قِبَلَنَا شَجَرَةٌ مُرَّةٌ وَبَقَلَةٌ رَدِيئَةٌ، وَهُمْ يَعْنُونَ الْجَمِيعَ، وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ ‏{‏لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ‏}‏، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ‏"‏لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرَةٍ مِنْ زَقُّوم‏"‏ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَمَعْنَى شَجَرٍ وَشَجَرَةٍ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ أَخَذْتُ مِنَ الشَّاءِ، فَإِنْ نَوَّنْتَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ جَائِزٌ، ثُمَّ قَالَ ‏{‏فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ‏}‏ يُرِيدُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَلَوْ قَالَ‏:‏ فَمَالِئُونَ مِنْهُ إِذَا لَمْ يُذَكِّرِ الشَّجَرَ كَانَ صَوَابًا يَذْهَبُ إِلَى الشَّجَرِ فِي مِنْهُ، وَيُؤَنِّثُ الشَّجَرَ، فَيَكُونُ مِنْهَا كِنَايَةً عَنِ الشَّجَرِ وَالشَّجَرُ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ، مِثْلَ التَّمْرِ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الْقَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَمَالِئُونَ مِنْهَا‏}‏ مُرَادٌ بِهِ مِنَ الشَّجَرِ أَنَّثَ لِلْمَعْنَى، وَقَالَ ‏{‏فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ‏}‏ مُذَكِّرًا لِلَفْظِ الشَّجَرِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏54- 57‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَشَارِبٌ أَصْحَابُ الشِّمَالِ عَلَى الشَّجَرِ مِنَ الزَّقُّومِ إِذَا أَكَلُوهُ، فَمَلَئُوا مِنْهُ بُطُونَهُمْ مِنَ الْحَمِيمِ الَّذِي انْتَهَى غَلْيُهُ وَحَرُّهُ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ‏}‏‏:‏ فَشَارِبُونَ عَلَى الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرِ مِنَ الزَّقُّومِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ ‏{‏شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ بِضَمِّ الشِّينِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّأْمِ ‏{‏شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ اعْتِلَالًا بِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَيَّامِ مِنًى‏:‏ ‏"‏ وَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ‏"‏»‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ مَعَ تَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ فِي قِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي فَتْحِهِ وَضَمِّهِ نَظِيرُ فَتْحِ قَوْلِهِمْ‏:‏ الضَّعْفُ وَالضُّعْفُ بِضَمِّهِ‏.‏ وَأَمَّا الْهِيمُ، فَإِنَّهَا جَمْعُ أَهْيَمَ، وَالْأُنْثَى هَيْمَاءُ وَالْهِيمُ‏:‏ الْإِبِلُ الَّتِي يُصِيبُهَا دَاءٌ فَلَا تَرْوَى مِنَ الْمَاءِ‏.‏ وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ‏:‏ هَائِمٌ، وَالْأُنْثَى هَائِمَةٌ، ثُمَّ يَجْمَعُونَهُ عَلَى هِيمٍ، كَمَا قَالُوا‏:‏ عَائِطٌ وَعِيطٌ، وَحَائِلٌ وَحُولٌ وَيُقَالُ‏:‏ إِنَّ الْهِيمَ‏:‏ الرَّمْلُ، بِمَعْنَى أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يَشْرَبُونَ الْحَمِيمَ شُرْبَ الرَّمْلِ الْمَاءَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ عَنَى بِالْهِيمِ الْإِبِلَ الْعُطَاشَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ شُرْبَ الْإِبِلِ الْعُطَاشِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْإِبِلُ الظِّمَاءُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْإِبِلُ الْمَرَاضَى، تَمُصُّ الْمَاءَ مَصًّا وَلَا تَرْوَى‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْإِبِلُ يَأْخُذُهَا الْعُطَاشُ، فَلَا تَزَالُ تَشْرَبُ حَتَّى تَهْلَكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْإِبِلُ يَأْخُذُهَا الْعُطَاشُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ هِيَ الْإِبِلُ الْعُطَاشُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْإِبِلُ الْهِيمُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ الْهِيمُ‏:‏ الْإِبِلُ الْعُطَاشُ، تَشْرَبُ فَلَا تَرْوَى يَأْخُذُهَا دَاءٌ يُقَالُ لَهُ الْهُيَامُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ دَاءٌ بِالْإِبِلِ لَا تَرْوَى مَعَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ هِيَ الرَّمْلَةُ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ ‏{‏فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ السِّهْلَةُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ يَأْكُلُونَهُ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ، هُوَ نُزُلُهُمْ الَّذِي يُنْزِلُهُمْ رَبُّهُمْ يَوْمَ الدِّينِ، يَعْنِي‏:‏ يَوْمَ يَدِينُ اللَّهُ عِبَادَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ وَالْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ‏:‏ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، فَأَوْجَدْنَاكُمْ بَشَرًا، فَهَلَّا تُصَدِّقُونَ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِكُمْ فِي قِيلِهِ لَكُمْ‏:‏ إِنَّهُ يَبْعَثُكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ وَبِلَاكُمْ فِي قُبُورِكُمْ، كَهَيْأَتِكُمْ قَبْلَ مَمَاتِكُمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏58- 61‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ‏:‏ أَفَرَأَيْتُمْ-أَيُّهَا الْمُنْكِرُونَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى إِحْيَائِكُمْ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ- النُّطَفَ الَّتِي تُمْنُونَ فِي أَرْحَامِ نِسَائِكُمْ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَ تِلْكَ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْمَوْتَ، فَعَجَّلْنَاهُ لِبَعْضٍ، وَأَخَّرْنَاهُ عَنْ بَعْضٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُسْتَأْخَرُ وَالْمُسْتَعْجَلُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ‏}‏ أَيُّهَا النَّاسُ فِي أَنْفُسِكُمْ وَآجَالِكُمْ، فَمُفْتَاتٌ عَلَيْنَا فِيهَا فِي الْأَمْرِ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ لَهَا مِنْ حَيَاةٍ وَمَوْتٍ بَلْ لَا يَتَقَدَّمُ شَيْءٌ مِنْ أَجَلِنَا، وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ مِنْكُمْ أَمْثَالَكَمْ بَعْدَ مَهْلِِِكِكُمْ فَنَجِيءَ بِآخَرِينَ مِنْ جِنْسِكُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَنُبَدِّلَكُمْ عَمَّا تَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ مِنْهَا مِنَ الصُّوَرِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَنُنْشِئَكُمْ‏}‏ فِي أَيِّ خَلْقٍ شِئْنَا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏62- 64‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْإِحْدَاثَةَ الْأُولَى الَّتِي أَحَدَّثْنَاكُمُوهَا، وَلَمْ تَكُونُوا مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ شَيْئًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِينَ قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏النَّشْأَةَ الْأُولَى‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذْ لَمْ تَكُونُوا شَيْئًا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى‏}‏ يَعْنِي خَلْقَ آدَمَ لَسْتَ سَائِلًا أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا أَنْبَأَكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ خَلْقُ آدَمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَسِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ خَلْقُ آدَمَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَهَلَّا تَذَكَّرُونَ أَيُّهَا النَّاسُ، فَتَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي أَنْشَأَكُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى، وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَكُمْ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ وَفَنَائِكُمْ أَحْيَاءً‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَفَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْحَرْثَ الَّذِي تَحْرُثُونَهُ ‏{‏أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَأَنْتُمْ تُصَيِّرُونَهُ زَرْعًا، أَمْ نَحْنُ نَجْعَلُهُ كَذَلِكَ‏؟‏

وَقَدْ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ الْحَرَمِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لَا تَقُولَنَّ‏:‏ زَرَعْتُ، وَلَكِنْ قُلْ‏:‏ حَرَثْت‏"‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ‏}‏»‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏65- 67‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَوْ نَشَاءُ جَعْلَنَا ذَلِكَ الزَّرْعَ الَّذِي زَرَعْنَاهُ حُطَامًا، يَعْنِي هَشِيمًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي مَطْعَمٍ وَغِذَاءٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَظَلْتُمْ تَتَعَجَّبُونَ مِمَّا نَزَلَ بِكُمْ فِي زَرْعِكُمْ مِنَ الْمُصِيبَةِ بِاحْتِرَاقِهِ وَهَلَاكِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَعْجَبُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَعْجَبُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَعْجَبُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَظَلْتُمْ تَلَاوَمُونَ بَيْنَكُمْ فِي تَفْرِيطِكُمْ فِي طَاعَةِ رَبِّكُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، حَتَّى نَالَكُمْ بِمَا نَالَكُمْ مِنْ إِهْلَاكِ زَرْعِكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تَلَاوَمُونَ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ الْبَكْرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَلَاوَمُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَظَلْتُمْ تَنْدَمُونَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ الَّتِي أَوْجَبَ لَكُمْ عُقُوبَتَهُ، حَتَّى نَالَكُمْ فِي زَرْعِكُمْ مَا نَالَكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَنْدَمُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏}‏ قَالَ تَنْدَمُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَظَلْتُمْ تَعْجَبُونَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَعْجَبُونَ حِينَ صَنَعَ بِحَرْثِكُمْ مَا صَنَعَ بِهِ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏}‏ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ ‏{‏وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَؤُلَاءِ نَاعِمِينَ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ‏}‏‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ‏(‏فَظَلْتُمْ‏)‏‏:‏ فَأَقَمْتُمْ تَعْجَبُونَ مِمَّا نَزَلَ بِزَرْعِكُمْ وَأَصْلُهُ مِنَ التَّفَكُّهِ بِالْحَدِيثِ إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِالْحَدِيثِ يُعْجَبُ مِنْهُ، وَيُلَهَّى بِهِ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ‏.‏ وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ فَأَقَمْتُمْ تَتَعَجَّبُونَ يُعَجِّبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِمَّا نَزَلَ بِكُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا لَمُغْرَمُونَ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إِنَّا لَمُولَعٌ بِنَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏إِنَّا لَمُغْرَمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّا لِمُولَعٌ بِنَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّا لَمُغْرَمُونَ‏}‏ أَيْ لَمُولَعٌ بِنَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِنَّا لَمُعَذَّبُونَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏إِنَّا لَمُغْرَمُونَ‏}‏‏:‏ أَيْ مُعَذَّبُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِنَّا لَمُلْقُونَ لِلشَّرِّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏إِنَّا لَمُغْرَمُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُلْقُونَ لِلشَّرِّ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّا لَمُعَذَّبُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَرَامَ عِنْدَ الْعَرَبِ‏:‏ الْعَذَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى‏:‏

إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْطِ *** جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي

يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ يَكُنْ غَرَامًا‏:‏ يَكُنْ عَذَابًا‏.‏ وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اكْتَفَى بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَهُوَ‏:‏ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ‏"‏تَقُولُون‏"‏ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ، فَتَرَكَ تَقُولُونَ مِنَ الْكَلَامِ لِمَا وَصَفْنَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏}‏ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ مَا هَلَكَ زَرْعُنَا وَأُصِبْنَا بِهِ مِنْ أَجْلِ ‏{‏إِنَّا لَمُغْرَمُونَ‏}‏ وَلَكُنَّا قَوْمٌ مَحْرُومُونَ، يَقُولُ‏:‏ إِنَّهُمْ غَيْرُ مَجْدُودِينَ، لَيْسَ لَهُمْ جَدٌّ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ حُورِفْنَا فَحُرِمْنَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَيْ مُحَارَفُونَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏68- 70‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَفَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ السَّحَابِ فَوْقَكُمْ إِلَى قَرَارِ الْأَرْضِ، أَمْ نَحْنُ مُنْزِلُوهُ لَكُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ الْمُزْنِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مِنَ الْمُزْنِ‏)‏ قَالَ‏:‏ السَّحَابُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ‏}‏ أَيْ مِنَ السَّحَابِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُزْنُ‏:‏ السَّحَابُ اسْمُهَا، أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ، قَالَ‏:‏ السَّحَابُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُزْنُ‏:‏ السَّمَاءُ وَالسَّحَابُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَوْ نَشَاءُ جَعْلَنَا ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ لَكُمْ مِنَ الْمُزْنِ مِلْحًا، وَهُوَ الْأُجَاجُ، وَالْأُجَاجُ مِنَ الْمَاءِ‏:‏ مَا اشْتَدَّتْ مُلُوحَتُهُ، يَقُولُ‏:‏ لَوْ نَشَاءُ فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِ فَلَمْ تَنْتَفِعُوا بِهِ فِي شُرْبٍ وَلَا غَرْسٍ وَلَا زَرْعٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَهَلَّا تَشْكُرُونَ رَبَّكُمْ عَلَى إِعْطَائِهِ مَا أَعْطَاكُمْ مِنَ الْمَاءِ الْعَذْبِ لِشُرْبِكُمْ وَمَنَافِعِكُمْ، وَصَلَاحِ مَعَايِشِكُمْ، وَتَرْكِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ أُجَاجًا لَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏71- 73‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَفَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ النَّارَ الَّتِي تَسْتَخْرِجُونَ مِنْ زَنْدِكُمْ ‏{‏أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَأَنْتُمْ أَحْدَثْتُمْ شَجَرَتَهَا وَاخْتَرَعْتُمْ أَصْلَهَا ‏{‏أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَمْ نَحْنُ اخْتَرَعْنَا ذَلِكَ وَأَحْدَثْنَاهُ‏؟‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً‏}‏ يَقُولُ‏:‏ نَحْنُ جَعَلْنَا النَّارَ تَذْكِرَةً لَكُمْ تَذَكَّرُونَ بِهَا نَارَ جَهَنَّمَ، فَتَعْتَبِرُونَ وَتَتَّعِظُونَ بِهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَذْكِرَةً‏)‏ قَالَ‏:‏ تَذْكِرَةُ النَّارِ الْكُبْرَى‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً‏}‏ لِلنَّارِ الْكُبْرَى‏.‏

ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قَالُوا‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قَالَ‏:‏ قَدْ ضُرِبَتْ بِالْمَاءِ ضَرْبَتَيْنِ أَوْ مَرَّتَيْنِ، لِيَسْتَنْفِعَ بِهَا بَنُو آدَمَ وَيَدْنُوَ مِنْهَا»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏(‏تَذْكِرَةً‏)‏ قَالَ‏:‏ لِلنَّارِ الْكُبْرَى الَّتِي فِي الْآخِرَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمُقْوِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمُ الْمُسَافِرُونَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لِلْمُقْوِينَ‏)‏ قَالَ‏:‏ لِلْمُسَافِرِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي الْمُسَافِرِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ‏}‏ قَالَ لِلْمُرْمِلِ الْمُسَافِرِ‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لِلْمُقْوِينَ‏)‏ قَالَ‏:‏ لِلْمُسَافِرِينَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِلْمُسَافِرِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عُنِيَ بِالْمُقْوِينَ‏:‏ الْمُسْتَمْتِعُونَ بِهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ‏}‏ لِلْمُسْتَمْتِعِينَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ‏}‏ لِلْمُسْتَمْتِعِينَ الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ‏.‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبٍ الشَّهِيدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِلْخَلْقِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ‏:‏ الْجَائِعُونَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُقْوِي‏:‏ الْجَائِعُ‏:‏ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، يَقُولُ‏:‏ أَقْوَيْتُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا‏:‏ مَا أَكَلْتُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا شَيْئًا‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عُنِيَ بِذَلِكَ لِلْمُسَافِرِ الَّذِي لَا زَادَ مَعَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ أَقْوَتِ الدَّارُ‏:‏ إِذَا خَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا وَسُكَّانِهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

أَقْوَى وَأَقْفَرَ مِنْ نُعْمٍ وَغَيَّرَهَا *** هُوجُ الرِّيَاحِ بِهَابِي التُّرْبِ مَوَّارِ

يَعْنِي بِقَوْلِهِ ‏"‏ أَقْوَى ‏"‏‏:‏ خَلَا مِنْ سُكَّانِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُقْوِي‏:‏ ذَا الْفَرَسِ الْقَوِيِّ، وَذَا الْمَالِ الْكَثِيرِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏74- 80‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَسَبِّحْ يَا مُحَمَّدُ بِذِكْرِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ، وَتَسْمِيَتِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَلَا أُقْسِمُ‏)‏‏:‏ أُقْسِمُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏(‏فَلَا أُقْسِمُ‏)‏ قَالَ‏:‏ أُقْسِمُ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَلَا‏)‏ فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقَسَمَ بَعْدُ فَقِيلَ أُقْسِمُ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ فَلَا أُقْسِمُ بِمَنَازِلِ الْقُرْآنِ، وَقَالُوا‏:‏ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُجُومًا مُتَفَرِّقَةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ نَزَلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ فُرِّقَ فِي السِّنِينَ بَعْدُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَ مُتَفَرِّقًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ نُجُومًا ثَلَاثَ آيَاتٍ وَأَرْبَعَ آيَاتٍ وَخَمْسَ آيَاتٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ جَمِيعًا، فَوُضِعَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، فَجَعَلَ جِبْرِيلُ يَأْتِي بِالسُّورَةِ، وَإِنَّمَا نَزَلَ جَمِيعًا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ مُحْكَمُ الْقُرْآنِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُسْتَقَرُّ الْكِتَابِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَلَا أُقْسِمُ بِمَسَاقِطِ النُّجُومِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ قَالَ فِي السَّمَاءِ وَيُقَالُ مَطَالِعُهَا وَمَسَاقِطُهَا‏.‏

حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ أَيْ مَسَاقِطُهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ بِمَنَازِلِ النُّجُومِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِمَنَازِلِ النُّجُومِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ بِانْتِثَارِ النُّجُومِ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ الْحَسَنُ انْكِدَارُهَا وَانْتِثَارُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَلَا أُقْسِمُ بِمَسَاقِطِ النُّجُومِ وَمَغَايِبِهَا فِي السَّمَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوَاقِعَ جَمْعُ مَوْقِعٍ، وَالْمَوْقِعُ الْمَفْعَلُ، مِنْ وَقَعَ يَقَعُ مَوْقِعًا، فَالْأَغْلَبُ مِنْ مَعَانِيهِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا‏:‏ هُوَ أَوْلَى مَعَانِيهِ بِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِمَوْقِعٍ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِمَوَاقِعَ‏:‏ عَلَى الْجِمَاعِ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَإِنَّ هَذَا الْقَسَمَ الَّذِي أَقْسَمْتُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا هُوَ، وَمَا قَدْرُهُ، قَسَمٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، وَإِنَّمَا هُوَ‏:‏ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عِظَمَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِنَّهُ‏)‏ مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هُوَ فِي كِتَابٍ مَصُونٍ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَمَسُّهُ شَيْءٌ مِنْ أَذًى مِنْ غُبَارٍ وَلَا غَيْرِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ الْكِتَابُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقُرْآنُ فِي كِتَابِهِ الْمَكْنُونِ الَّذِي لَا يَمَسُّهُ شَيْءٌ مِنْ تُرَابٍ وَلَا غُبَارٍ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ زَعَمُوا أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَنَزَّلَتْ بِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا تَسْتَطِيعُهُ، مَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا بِهَذَا، وَهُوَ مَحْجُوبٌ عَنْهُمْ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ ‏{‏وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، يَعْنِي الْعَتَكِيَّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي نَهِيكٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ كِتَابٌ فِي السَّمَاءِ‏.‏

قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَا يَمَسُّ ذَلِكَ الْكِتَابَ الْمَكْنُونَ إِلَّا الَّذِينَ قَدْ طَهَّرَهُمُ اللَّهُ مِنَ الذُّنُوبِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏)‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمُ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُنْزِلَ كِتَابًا نَسَخَتْهُ السَّفَرَةُ، فَلَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، قَالَ‏:‏ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، يَعْنِي الْعَتَكِيَّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي نَهِيكٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ قَالَ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ قَالَ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُمْ حَمَلَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ حَمَلَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ قَدْ طُهِّرُوا مِنَ الذُّنُوبِ كَالْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَرْوَانُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ أَنْتُمْ، أَنْتُمْ أَصْحَابُ الذُّنُوبِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ الَّتِي تَنْزِلُ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُطَهَّرَةٌ، وَالْأَنْبِيَاءُ مُطَهَّرَةٌ، فَجِبْرِيلُ يَنْزِلُ بِهِ مُطَهَّرٌ، وَالرُّسُلُ الَّذِينَ تَجِيئُهُمْ بِهِ مُطَهَّرُونَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالرُّسُلُ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَهَؤُلَاءِ يَنْزِلُونَ بِهِ مُطَهَّرُونَ، وَهَؤُلَاءِ يَتْلُونَهُ عَلَى النَّاسِ مُطَهَّرُونَ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ ‏{‏بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِأَيْدِي الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُحْصُونَ عَلَى النَّاسِ أَعْمَالَهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عُنِيَ بِذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ لَا يَمَسُّهُ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ ذَاكُمْ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأَمَّا عِنْدُكُمْ فَيَمَسُّهُ الْمُشْرِكُ النَّجِسُ، وَالْمُنَافِقُ الرَّجِسُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏ قَالَ لَا يَمَسُّهُ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَمَسُّهُ الْمَجُوسِيُّ النَّجِسُ، وَالْمُنَافِقُ الرَّجِسُ‏.‏ وَقَالَ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏(‏مَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏)‏‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمَسُّ الْكِتَابَ الْمَكْنُونَ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فَعَمَّ بِخَبَرِهِ الْمُطَهَّرِينَ، وَلَمْ يُخَصِّصْ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ فَالْمَلَائِكَةُ مِنَ الْمُطَهَّرِينَ، وَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْمُطَهَّرِينَ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مُطَهَّرًا مِنَ الذُّنُوبِ، فَهُوَ مِمَّنِ اسْتُثْنِيَ، وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ هَذَا الْقُرْآنُ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَّلَهُ مِنَ الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي نَهِيكٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقُرْآنُ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏81- 85‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَفَبِهَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْبَأْتُكُمْ خَبَرَهُ، وَقَصَصْتُ عَلَيْكُمْ أَمْرَهُ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ تُلِينُونَ الْقَوْلَ لِلْمُكَذِّبِينَ بِهِ، مُمَالَأَةً مِنْكُمْ لَهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ بِهِ وَالْكُفْرِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِنَا فِيهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ تُرِيدُونَ أَنْ تُمَالِئُوهُمْ فِيهِ، وَتَرْكَنُوا إِلَيْهِمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ‏:‏ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُكَذِّبُونَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مُكَذِّبُونَ غَيْرُ مُصَدِّقِينَ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مُكَذِّبُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَتَجْعَلُونَ شُكْرَ اللَّهِ عَلَى رِزْقِهِ إِيَّاكُمُ التَّكْذِيبَ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ الْآخَرِ‏:‏ جَعَلْتَ إِحْسَانِي إِلَيْكَ إِسَاءَةً مِنْكَ إِلَيَّ، بِمَعْنَى‏:‏ جَعَلْتَ شُكْرَ إِحْسَانِي، أَوْ ثَوَابَ إِحْسَانِي إِلَيْكَ إِسَاءَةً مِنْكَ إِلَيَّ‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ‏:‏ أَنَّ مِنْ لُغَةِ أَزِدْ شَنُوءَةَ‏:‏ مَا رَزَقَ فُلَانٌ‏:‏ بِمَعْنَى مَا شَكَرَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأَمُّلِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ مِنْهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ شُكْرَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، «عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ شُكْرَكُمْ تَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، وَبِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا»‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏"‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، قَالَ‏:‏ وَيَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ مَا مُطِرَ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا أَصْبَحَ بَعْضُهُمْ كَافِرًا، يَقُولُونَ‏:‏ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُعَاذُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ مَا مُطِرَ النَّاسُ لَيْلَةً قَطُّ، إِلَّا أَصْبَحَ بَعْضُ النَّاسِ مُشْرِكِينَ يَقُولُونَ‏:‏ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ‏:‏ وَقَالَ وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ شُكْرَكُمْ عَلَى مَا أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْغَيْثِ وَالرَّحْمَةِ تَقُولُونَ‏:‏ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا قَالَ‏:‏ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كُفْرًا بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمِّيَّةَ، قَالَ‏:‏ أَحْسَبُهُ أَوْ غَيْرَهُ ‏"‏ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا وَمُطِرُوا يَقُولُ‏:‏ مُطِرْنَا بِبَعْضِ عَثَانِينَ الْأَسَدِ، فَقَالَ‏:‏ كَذَبْتَ بَلْ هُوَ رِزْقُ اللَّه»‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏«إِنَّ اللَّهَ لَيُصَبِّحُ الْقَوْمَ بِالنِّعْمَةِ، أَوْ يُمَسِّيهِمْ بِهَا، فَيُصْبِحُ بِهَا قَوْمٌ كَافِرِينَ يَقُولُونَ‏:‏ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا»‏"‏ قَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَقَالَ‏:‏ وَنَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَسْتَسْقِي فَلَمَّا اسْتَسْقَى الْتَفَتَ إِلَى الْعَبَّاسِ فَقَالَ‏:‏ يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمْ بَقِيَ مِنْ نَوْءِ الثُّرَيَّا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ الْعُلَمَاءُ بِهَا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ بَعْدَ سُقُوطِهَا سَبْعًا، قَالَ‏:‏ فَمَا مَضَتْ سَابِعَةٌ حَتَّى مُطِرُوا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ يَقْرَؤُهَا ‏"‏وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُون‏"‏ يَقُولُ‏:‏ جَعَلْتُمْ رِزْقَ اللَّهِ بِنَوْءِ النَّجْمِ، وَكَانَ رِزْقُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بِالْأَنْوَاءِ أَنْوَاءِ الْمَطَرِ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرُ، قَالُوا‏:‏ رُزِقْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا أَمْسَكَ عَنْهُمْ كَذَّبُوا، فَذَلِكَ تَكْذِيبُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ نَاسٌ يُمْطَرُونَ فَيَقُولُونَ‏:‏ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَوْلُهُمْ فِي الْأَنْوَاءِ‏:‏ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَنَوْءِ كَذَا، يَقُولُ‏:‏ قُولُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَهُوَ رِزْقُهُ‏.‏

حُدِّثْتُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ جَعَلَ اللَّهُ رِزْقَكُمْ فِي السَّمَاءِ، وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَهُ فِي الْأَنْوَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الصِّرَارِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو جَابِرٍ ‏"‏مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَزْدِي‏"‏ قَالَ‏:‏ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏«مَا مُطِرَ قَوْمٌ مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ قَوْمٌ بِهَا كَافِرِينَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ ‏"‏ يَقُولُ قَائِلٌ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا»‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَتَجْعَلُونَ حَظَّكُمْ مِنْهُ التَّكْذِيبَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ أَمَّا الْحَسَنُ فَكَانَ يَقُولُ‏:‏ بِئْسَمَا أَخَذَ قَوْمٌ لِأَنْفُسِهِمْ لَمْ يُرْزَقُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا التَّكْذِيبَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏}‏ خَسِرَ عَبْدٌ لَا يَكُونُ حَظُّهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا التَّكْذِيبَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَهَلَّا إِذَا بَلَغَتِ النُّفُوسُ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ أَجْسَادِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ حَلَاقِيمَكُمْ ‏{‏وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ‏}‏ يَقُولُ وَمَنْ حَضَرَهُمْ مِنْكُمْ مِنْ أَهْلِيهِمْ حِينَئِذٍ إِلَيْهِمْ يَنْظُرُ، وَخَرَجَ الْخِطَابُ هَا هُنَّا عَامًّا لِلْجَمِيعِ، وَالْمُرَادُ بِهِ‏:‏ مَنْ حَضَرَ الْمَيْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَغَيْرِهِمْ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُوَ أَنْ يُخَاطَبَ الْجَمَاعَةُ بِالْفِعْلِ، كَأَنَّهُمْ أَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَعْضُهُمْ غَائِبًا كَانَ أَوْ شَاهِدًا، فَيَقُولُ‏:‏ قَتَلْتُمْ فُلَانًا، وَالْقَاتِلُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، إِمَّا غَائِبٌ، وَإِمَّا شَاهِدٌ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَا نَظَائِرَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا‏.‏

يَقُولُ ‏{‏وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَرُسُلُنَا الَّذِينَ يَقْبِضُونَ رُوحَهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ، ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ قِيلَ ‏{‏فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ‏}‏ كَأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْهُمْ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- إِنَّا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا نَمُوتَ، فَقَالَ ‏{‏فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ‏}‏، ثُمَّ قَالَ ‏{‏فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ‏}‏ أَيْ غَيْرَ مَجْزِيِّينَ تَرْجِعُونَ تِلْكَ النُّفُوسَ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ كَيْفَ تَخْرُجُ عِنْدَ ذَلِكَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بِأَنَّكُمْ تَمْتَنِعُونَ مِنَ الْمَوْتِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏86- 89‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَهَلَّا إِنْ كُنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ غَيْرَ مَدِينِينَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مَدِينِينَ‏)‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ غَيْرَ مُحَاسَبِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ غَيْرُ مُحَاسَبِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏غَيْرَ مَدِينِينَ‏)‏ قَالَ‏:‏ مُحَاسَبِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ‏}‏‏:‏ أَيْ مُحَاسَبِينَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَجْحَدُونَ أَنْ يُدَانُوا بَعْدَ الْمَوْتِ، قَالَ‏:‏ وَهُوَ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ، يَوْمَ يُدَانُ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ، قَالَ‏:‏ يُدَانُونَ‏:‏ يُحَاسَبُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ غَيْرُ مُحَاسَبِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ‏}‏ قَالَ غَيْرَ مَبْعُوثِينَ، غَيْرَ مُحَاسَبِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ غَيْرُ مَبْعُوثِينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ‏}‏ غَيْرَ مَبْعُوثِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ‏:‏ غَيْرُ مَجْزِيِّينَ بِأَعْمَالِكُمْ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ غَيْرُ مُحَاسَبِينَ فَمَجْزِيِّينَ بِأَعْمَالِكُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَمِنْ قَوْلِ اللَّهِ ‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تَرُدُّونَ تِلْكَ النُّفُوسَ مِنْ بَعْدِ مَصِيرِهَا إِلَى الْحَلَاقِيمِ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا مِنَ الْأَجْسَادِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، إِنْ كُنْتُمْ تَمْتَنِعُونَ مِنَ الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ وَالْمُجَازَاةِ، وَجَوَابُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ‏}‏، وَجَوَابُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ‏}‏ جَوَابٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏تَرْجِعُونَهَا‏)‏ وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ‏}‏ جَعَلَ جَوَابَ الْجَزَاءَيْنِ جَوَابًا وَاحِدًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَرْجِعُونَهَا‏)‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَرْجِعُونَهَا‏)‏ قَالَ‏:‏ لِتَلْكَ النَّفْسِ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَيْتُ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ الَّذِينَ قَرَّبَهُمُ اللَّهُ مِنْ جِوَارِهِ فِي جِنَانِهِ ‏{‏فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَلَهُ رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏.‏

وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ‏(‏فَرَوْحٌ‏)‏ بِفَتْحِ الرَّاءِ، بِمَعْنَى‏:‏ فَلَهُ بَرْدٌ‏.‏ ‏(‏وَرَيْحَانٌ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَرِزْقٌ وَاسِعٌ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَفِي قَوْلِ آخَرِينَ فَلَهُ رَاحَةٌ وَرَيْحَانٌ وَقَرَأَ ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ‏"‏فَرُوح‏"‏ بِضَمِّ الرَّاءِ، بِمَعْنَى‏:‏ أَنَّ رُوحَهُ تَخْرُجُ فِي رَيْحَانَةٍ‏.‏

وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِالْفَتْحِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، بِمَعْنَى‏:‏ فَلَهُ الرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ، وَالرِّزْقُ الطَّيِّبُ الْهَنِيُّ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَرَاحَةٌ وَمُسْتَرَاحٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ رَاحَةٌ وَمُسْتَرَاحٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي بِالرَّيْحَانِ‏:‏ الْمُسْتَرِيحَ مِنَ الدُّنْيَا ‏{‏وَجَنَّةُ نَعِيمٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَغْفِرَةٌ وَرَحْمَةٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الرَّوْحُ‏:‏ الرَّاحَةُ، وَالرَّيْحَانُ‏:‏ الرِّزْقُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ رَاحَةٌ‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ وَرَيْحَانٌ قَالَ‏:‏ الرِّزْقُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الرَّوْحُ‏:‏ الْفَرَحُ، وَالرَّيْحَانُ‏:‏ الرِّزْقُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا إِدْرِيسُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الرَّوْحُ‏:‏ الْفَرَحُ، وَالرَّيْحَانُ‏:‏ الرِّزْقُ‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِضَمِّ الرَّاءِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ الرُّوحُ‏:‏ هِيَ رُوحُ الْإِنْسَانِ، وَالرَّيْحَانُ‏:‏ هُوَ الرَّيْحَانُ الْمَعْرُوفُ‏:‏ وَقَالُوا‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُقَرَّبِينَ تَخْرُجُ مِنْ أَبْدَانِهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ بِرَيْحَانٍ تَشُمُّهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ ‏{‏فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَخْرُجُ رُوحُهُ فِي رَيْحَانَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ‏{‏فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ يُفَارِقُ الدُّنْيَا، وَالْمُقَرَّبُونَ السَّابِقُونَ، حَتَّى يُؤْتَى بِغُصْنٍ مِنْ رَيْحَانِ الْجَنَّةِ فَيَشُمَّهُ، ثُمَّ يُقْبَضَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِفَتْحِ الرَّاءِ‏:‏ الرَّوْحُ‏:‏ الرَّحْمَةُ، وَالرَّيْحَانُ‏:‏ الرَّيْحَانُ الْمَعْرُوفُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الرَّوْحُ‏:‏ الرَّحْمَةُ، وَالرَّيْحَانُ‏:‏ يُتَلَقَّى بِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ‏:‏ الرَّوْحُ‏:‏ الرَّحْمَةُ، وَالرَّيْحَانُ‏:‏ الِاسْتِرَاحَةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ ‏{‏فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ الرَّوْحُ‏:‏ الْمَغْفِرَةُ وَالرَّحْمَةُ، وَالرَّيْحَانُ‏:‏ الِاسْتِرَاحَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ ‏{‏فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ ‏{‏فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُجَاءُ لَهُ مِنَ الْجَنَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ قَالَ‏:‏ أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَيُرَوْنَ عِنْدَ الْمَوْتِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، بِمِثْلِهِ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي‏:‏ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عُنِيَ بِالرَّوْحِ‏:‏ الْفَرَحُ وَالرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ وَجَدْتُ رَوْحًا‏:‏ إِذَا وَجَدَ نَسِيمًا يَسْتَرْوِحُ إِلَيْهِ مِنْ كَرْبِ الْحَرِّ‏.‏ وَأَمَّا الرَّيْحَانُ، فَإِنَّهُ عِنْدِي الرَّيْحَانُ الَّذِي يُتَلَقَّى بِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، كَمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ، وَمَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَغْلَبُ وَالْأَظْهَرُ مِنْ مَعَانِيهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَجَنَّةُ نَعِيمٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَهُ مَعَ ذَلِكَ بُسْتَانُ نَعِيمٍ يَتَنَعَّمُ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ قَالَ‏:‏ قَدْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏90- 94‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا إِنْ كَانَ‏}‏ الْمَيْتُ ‏{‏مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏}‏ الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ ذَاتِ أَيْمَانِهِمْ ‏{‏فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏}‏‏.‏

ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏}‏ فَقَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏}‏ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ قَالَ‏:‏ سَلَامٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَلِمَ مِمَّا يَكْرَهُ‏.‏

وَأَمَّا أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ ‏{‏وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏}‏‏:‏ أَيْ فَيُقَالُ سِلْمٌ لَكَ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏}‏‏:‏ أَيْ فَذَلِكَ مُسَلَّمٌ لَكَ أَنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأُلْقِيَتْ ‏"‏أَن‏"‏ وَنُوِيَ مَعْنَاهَا، كَمَا تَقُولُ‏:‏ أَنْتَ مُصَّدِّقٌ مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ، إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ‏:‏ إِنِّي مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ مَعْنَاهُ أَنَّكَ مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ، وَمُصَّدِّقٌ عَنْ قَلِيلٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَسَلَامٌ لَكَ‏)‏ مَعْنَاهُ‏:‏ فَسُلِّمَ لَكَ أَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ يَكُونُ كَالدُّعَاءِ لَهُ، كَقَوْلِهِ‏:‏ فَسُقْيًا لَكَ مِنَ الرِّجَالِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِنْ رَفَعْتَ السَّلَامَ فَهُوَ دُعَاءٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصَوَابِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏}‏ فَإِنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ جَوَابَيْنِ، لِيُعْلَمَ أَنَّ أَمَّا جَزَاءٌ‏:‏ قَالَ‏:‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَهَذَا أَصْلُ الْكَلِمَةِ مُسَلَّمٌ لَكَ هَذَا، ثُمَّ حُذِفَتْ ‏"‏أَن‏"‏ وَأُقِيمَ ‏"‏مِن‏"‏ مَقَامِهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ فَسَلَامٌ لَكَ أَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَهُوَ عَلَى ذَاكَ‏:‏ أَيْ سَلَامٌ لَكَ، يُقَالُ‏:‏ أَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى كَلَامَيْنِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ مُسَلَّمٌ‏:‏ أَيْ كَمَا تَقُولُ‏:‏ فَسَلَامٌ لَكَ مِنَ الْقَوْمِ، كَمَا تَقُولُ‏:‏ فَسُقْيًا لَكَ مِنَ الْقَوْمِ، فَتَكُونُ كَلِمَةً وَاحِدَةً‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ فَسَلَامٌ لَكَ أَنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، ثُمَّ حُذِفَتْ وَاجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مِنْ عَلَيْهَا مِنْهَا، فَسَلِمْتَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَمِمَّا تَكْرَهُ؛ لِأَنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى‏:‏ وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَيْتُ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ، الْجَائِرِينَ عَنْ سَبِيلِهِ، فَلَهُ نُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ قَدْ أُغْلِيَ حَتَّى انْتَهَى حَرُّهُ، فَهُوَ شَرَابُهُ‏.‏ ‏{‏وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَحَرِيقُ النَّارِ يُحْرَقُ بِهَا وَالتَّصْلِيَةُ‏:‏ التَّفْعِلَةُ مِنْ صَلَّاهُ اللَّهُ النَّارَ فَهُوَ يَصْلِيهِ تَصْلِيَةً، وَذَلِكَ إِذَا أَحْرَقَهُ بِهَا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏95- 96‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَعَنِ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ، وَمَا إِلَيْهِ صَائِرَةٌ أُمُورُهُمْ ‏{‏لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَهُوَ الْحَقُّ مِنَ الْخَبَرِ الْيَقِينِ لَا شَكَّ فِيهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَبَرُ الْيَقِينُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ‏}‏ حَتَّى خَتَمَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ تَارِكًا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ حَتَّى يُوقِفَهُ عَلَى الْيَقِينِ مِنْ هَذَا الْقِرَانِ‏.‏ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَيْقَنَ فِي الدُّنْيَا، فَنَفَعَهُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏ وَأَمَّا الْكَافِرُ، فَأَيْقَنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ لَا يَنْفَعُهُ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ إِضَافَةِ الْحَقِّ إِلَى الْيَقِينِ، وَالْحَقُّ يَقِينٌ لِيَقِينٍ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ، قَالَ‏:‏ حَقُّ الْيَقِينِ، فَأَضَافَ الْحَقَّ إِلَى الْيَقِينِ، كَمَا قَالَ ‏{‏وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏ أَيْ ذَلِكَ دِينُ الْمِلَّةِ الْقَيِّمَةِ، وَذَلِكَ حَقُّ الْأَمْرِ الْيَقِينِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَمَّا هَذَا رَجُلُ السَّوْءِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ هَذَا الرَّجُلُ السَّوْءُ، كَمَا يَكُونُ فِي الْحَقِّ الْيَقِينُ؛ لِأَنَّ السُّوءَ لَيْسَ بِالرَّجُلِ، وَالْيَقِينَ هُوَ الْحَقُّ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ‏:‏ الْيَقِينُ نَعْتٌ لِلْحَقِّ، كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْحَقُّ الْيَقِينُ، وَالدِّينُ الْقَيِّمُ، فَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ وَالْقُرْآنِ ‏"‏وَلَدَارُ الْآخِرَة‏"‏ ‏"‏ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ ‏"‏ قَالَ‏:‏ فَإِذَا أُضِيفَ تُوُهِّمَ بِهِ غَيْرُ الْأَوَّلِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَسَبِّحْ بِتَسْمِيَةِ رَبِّكِ الْعَظِيمِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ